ثقافة الطابور

قبل أن نعرف ثقافة الطابور
دعونا نعرف ما هو الطابور أولاً..؟
خصوصاً لدى الناس الذين لم يقفوا في طابور طوال حياتهم !
يعرف الطابور
بأنه مجموعة لها مبدأ معين في الترتيب ،
وهو عكس الصف أي بصورة عمودية وليس أفقية ،
ويسمى بالإنجليزية Queue ، ولغوياُ ليس له أثر في معاجم اللغة العربية.




ولكن مع كثرة تداوله في كلامنا أصبحنا نظن أنه من الفصيح ،
حتى أننا جمعناه بقولنا طوابير ، و تطبيقاته عديدة لا تعد ولا تحصى ،
وهو لا يعبأ بمكان أو زمان ، فتارة تجده في الأماكن الهامة
كالدوائر الحكومية والبنوك والشركات والمدارس وتارة في ألأماكن الغير هامة
كالمخابز والسوبرماركت ومحلات الفول....
البعض يرون أن أهمية هذه الأماكن بصورة عكسية
فمحلات الفول أهم بكثير من غيرها خاصة في رمضان



إن للطابور حكايات طويلة ممتدة كالطوابير نفسها في ذاكرة كل واحد منا،
ومما أذكر من أحد المواقف أنني كنت أقف في طابور للصرافين لأحد البنوك ،
وكان كل شيء يسير على ما يرام الى أن جاء أحدهم
وتخطى الجميع حتى يصل الي الصراف موهماً الجميع
أنه يريد أن يستفسر عن أمر ما قبل أن يقف في الطابور ،
وهو أمر مقبول في ثقافة الطوابير ، ولكنه بعد أن سأل سؤاله
بدأ شيئاً فشيئاً يخرج بطاقته وماله حتى يتمم العملية المصرفية !!
وهنا الأمر غير مقبول إطلاقاً ، والمشكلة أن الشخص الذي في أول الطابور
لم يحرك ساكناً وكأنه يقول (خلصنا) ربما لأن دوره قد حان
ولن تضره دقائق بسيطة ، أو أنه من الاشخاص الضعفاء الذين يخشون المواجهة
الشاهد أنه لم يكترث لهذا الغاصب لحقوقنا ،
لكني لم أستطع السكوت فناديت هذا الماكر ،
قلت : "يا أستاذ ، أنت اللي عند الصراف " ولكنه تجاهلني ،
فكررت ندائي بنبرة أعلى مضيفاً " أنت الي تسوي نفسك ما انت سامعني" ،
قال :"أنا؟" ناظراً الي بمنتهى الهدوء الأقرب للخبث
فقلت : "نعم انت ، الله لا يهينك ارجع آخر الصف"
فقال : "أنا مجرد باستفهم عن موضوع "
فقلت : "من الواضح انك استفهمت لكنك تريد اكمال العملية البنكية ،
عشان كذا أرجع لو سمحت" ،
فقال :"خلاص يا أخي روقنا ترى الشخص اللي في أول الصف ما اتكلم"
يعني لا تفلسف واسكت ، وهذا التصرف يدل على بداية ضعف حجته ،
والمصيبة ان الشخص الأول أيضاً لم يحرك ساكناً (ولا كأنه هنا) ،
فقلت : "عادي جداً ، اذا هو راضي يرجع يأخذ مكانك في آخر الصف ،
ما عندي أي مشكلة" عندها فقط بدأ الشخص الواقف في أول الصف
يشعر بالتهديد لضياع حقه فبدأ يزمجر ويهمهم باللا موافقة ،
وما هي الا لحظات وجاء رجل الأمن و أعاد الأمور الى نصابها ،
وعاد طابوري الحبيب الى وضعه الطبيعي.




اننا نعاني اليوم من مظاهر فساد في الثقافة الطابورية ،
فلدى نوع من الناس القدرة على اختراق الصفوف والقفز على الرقاب
دون استحياء ، والحصول على الأولوية بدون وجه حق ،
فكم من حقوق ضيعت ، وكم من مرضى ماتت ، وكم وكم وكم ،



لذلك لا أخفي حبي وعشقي للطابور ، هذا العشق القديم
بدأ منذ أن كنت طفلاً في المدرسة ، حيث كنت ألقاه في الصباح
ومن ثم في المقصف ، وكلما تقدم بي الزمن صرت اقابله هنا وهناك ،
وحبي له كان يزداد يوماً بعد يوم لأن أشعر معه بالأمان والاطمئنان
بأن حقي لن يضيع ، و أنني سأصل الى هدفي ولو بعد حين ،
فتعلمت منه النظام والاحترام والأدب ،
لكني في الآونة ألأخيرة بدأت أشعر أنه يموت ببطء ،
بالطبع ليس بسبب الارقام الإلكترونية ولكن بسبب تفشي فساد الذمم ،
فأصبح الكثيرون يستبيحون لأنفسهم حقوق الأقدمين بدون وجه حق ،
وأصبحت مقولة "خليك في الطابور" تقال فقط لمكسوري الجناح ،
وبات وشيكاً أننا على وشك أن ننعى ثقافة مهمة في حياتنا ...


الا وهي ثقافة الطابور




/

ممآ قرأت وآعجبني وآحببتُ آن تشآركوني بقرآءته ..